المحتوى المتسخ: كيف تجذب فيديوهات تنظيف السجّاد مشاهدات مليونية
حكاية غسيل عادية جذبت انتباه المتابعين
تغذية الهَوس
منذ بزوغ فجر عالم الإنترنت، لم يكفّ النشطون في صناعة المحتوى عن البحث عمّا يثير آراء المستخدمين وعواطفهم. بدأت تتوالى صدمات المستخدم على حاسوبه من اتصاله بالمختلف عنه فكريًا ومنهجيًا. وذلك الاستفزاز -أو الإثارة بالأصح- هو ما جعل من المساحة الرقمية مكان انفعالات متكررة على جميع المستخدمين. نتحدث اليوم عن توجّه غريب، إلى الحد الذي استقطب فئة لم تتوقع يومًا بأن مكانها على مسرح المحتوى المتخصص سيحين وقته، وهم النظيفون ذوو الوسواس.
كان الجيل الرقمي المخضرم متزنًا في حضوره على شبكة الويب، محترمًا هيبة الانكشاف على ملايين المشاهدين والمتابعين. حتى جاء التطبيق الذي أثار استفزاز هذا الجيل، مما ساهم في إبرازه وتسليط الضوء عليه مباشرة. جاء تيك توك بنموذج ذكيّ في عرض المحتوى، فيديوهات متتالية بقابلية انتشار مهولة، تطرح شهرة محتملة للمستخدم مهما كانت اهتماماته. فترتيب علب المشروبات الغازية المتنوعة بترتيبٍ لونيٍّ داخل الثلاجة، هو فعلٌ روتينيٌ له مشاهدوه الشغوفون، شرط أن تتيح لهم رؤيته من زاوية جميلة وتلتقط صوته بجودة كافية. والأمر يسري على تعبئة العلب الشفافة الفارغة في غرفة الغسيل، بأنواع مختلفة من منتجات تنظيف الملابس وتنعيمها، كما يشمل فيديوهات التنظيف المنوعة التي تدغدغ في المشاهد حس الارتياح، وكأنما تصفّي دماغه المشوّش بعد يوم صاخب.
ماهو ASMR؟ 👂🏽🗣️
يرجع تكوّن المصطلح (ASMR) إلى عام ٢٠١٠، وهو اختصار لعبارة:
(Autonomous Sensory Meridian Response)
«استجابة القنوات الحسية الذاتية»
وفق Think with Google، يبحث المستخدمون عن لفظة ASMR في محرّك البحث في موقع YouTube أكثر من مفردتَي “شوكولاتة” و “حلوى” بالإنجليزية. فبعدما أشار البعض لتلك الأصوات المهدئة بمسمّى “مساج الدماغ”، و”النشوة الذهنية”، اهتم الباحثون عن الاسترخاء والهدوء النفسي بالبحث عن إنتاج صوتيّ مهدئ. يمكن تعريف محتوى ASMR بأنه استعراض لمناولة هادئة وبطيئة لغرض ما، حيث تُبرَز فيها التفاصيل القريبة لتلك العملية من همسات وفرقعات وأصوات نَفس ومضغ إذا ما كانت المادة قابلة للأكل. ويجوز لي تسمية ASMR بأنه الصوت تحت الملاحظة الشديدة، مثلما تكون الأشياء محط مراقبة دقيقة تحت مجهر. وباستخدام التقنيات الصوتية التي ترفع من حساسية التقاط الصوت، يصوّر صانعو محتوى ASMR المحتوى الباعث على القشعريرة الذي يضاعف من صوت الظفر في دقاته على سطح على سبيل المثال. بعد الرواج الهائل لتلك الممارسات على منصات الفيديو، بدأت تتشكل مجتمعات صغيرة تهتمّ بنسخ فرعية محدّدة من محتوى ASMR، من أبرزها فيديوهات التنظيف.
أن تسوّق من خلال الكنس والتلميع 🧹
منذ أن شجّعت شركات البيع بالتجزئة عملاءها على استخدام تقنيات التسويق بالعمولة، اشتهرت نماذج حديثة لتسويق المنتجات وبيعها كما لم يعهد من قبل. يمكن تعريف التسويق بالعمولة لمن لا يعرفه، بأنه تسويق الأفراد لأفراد آخرين لصالح الشركات التجارية، في أملٍ لزيادة مبيعات منتج أو خدمة معروضة. تشتهر نماذج التسويق بالعمولة في مشاركة روابط إحالة يمكنك إصدارها من حسابك على منتج معيّن، وكسب نسبة من مبيعات المنتج بناء على عدد المرّات التي اشترى فيها من اقتنع بالشراء عبر رابطك.
استنادًا على المنطق الذي يرتكز على الاقتصاد في تحليله لسلوك المستهلك، يوجد تقدير برأيي تجاه هذه المسألة. إن التبعات التي جاءت من تحفيز الشركات التجارية للمستهلك، في ترويجه للمنتجات بمحتوى مُعَد من قِبل المستخدم نفسه، قد صنعت محتوى فريدًا -وغريبًا في بعض الأحيان- أصبح اليوم شهيرًا ورائجًا بين المشاهدين. من أنواع ذلك المحتوى صناعة الفيديوهات المخصصة لتنظيف السجّاد.
ذلك أن قصة فيديوهات تنظيف السجّاد الرائجة التي يتصدر أعلاها ٢٠١ مليون مشاهدة على يوتيوب، هي في بعض أجزائها ترويج لمنتج أساسي مستخدم في الفيديو، عبر إثارة مشاعر التنظيف واستفزاز وسواس النظافة لمن يتصف بذلك الطبع الشخصي. يكمن سر انتشار هذه الفيديوهات بتقديري الشخصي، إضافة إلى غيره مما ينتسب لنفس الفئة، إلى نمط معين في صناعة المحتوى، فإذا ما قارن المُشاهد الإنتاج ونوعية تفاصيله، سيجد جذور الفعل وكيف بدأ.
يعرف أي مُنتِج للمحتوى، فاعلية استهداف المجتمعات الرقمية المعيّنة بخصائص اجتماعية واقتصادية ونفسية، خصوصًا تلك التي لم تجد المساحة التي تجمعها في اهتماماتها المحددة. نستطيع الاستفادة من نجاح فيديوهات تنظيف السجّاد بملاحظة الفرصة التي كانت متاحة ولم يستغلها أحد. لو قلت لك أن تصور فعلًا عاديًا مثل التنظيف اليومي على الملأ، لن يبدو ذلك جاذبًا في بادئ الأمر، إلا أن ما يجب أن نذكّر به أنفسنا دائمًا هي الحقيقة الأبدية في وجود مشتركات بين البشر. في تلك المشتركات اهتمام بفرص لا متناهية، تقدّم للمبدع مبادرة يستطيع من خلالها أن يبني تجارة رابحة.
كل الود،
محمد.
يسعدني أن أشارك المدونة الصوتية الجديدة مِراس، والتي سجّلت فيها الحلقة الأولى بعنوان «حافزك ذو الوجهين».
إذا أعجبك هذا العدد اقرأ على مدونتي الأوصاف الثخينة والرشيقة: ميزان التفاصيل في الكتابة.
حقوق الصورة البارزة: Perfectlab - Freepik